الاثنين، 11 ديسمبر 2017

عين كبريت في الموصل بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف

                                                                   عين كبريت للنساء 
                                                                     حوض عين كبريت 
                                                              عين كبريت سنة 1934
 
                                  عين كبريت 1960 
عين كبريت في الموصل
 بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
منذ أن كنا صغارا ، في سنوات الخمسينات من القرن الماضي أي القرن العشرين ، ونحن نسمع بعين كبريتية في شمال مدينة الموصل تسمى ( عين كبريت ) . وعندما كبرنا كنا نرتادها  ، ونستحم بمياهها الكبريتية الباردة ، وخاصة في فصل الصيف ولن انسى انني تعلمت السباحة هناك في منطقة عين كبريت حيث المدرب قاسم السباح ، وحيث جرداق المرحوم مرعي النشعة وكنت اشاهد عددا كبيرا من الناس يرتادون عين كبريت رجالا ونساءَ من الموصل ، ومن خارج الموصل واتذكر ان بعضا من زملائي ،  ومن محافظات عراقية اخرى زاروا الموصل وحرصوا على ان اصطحبهم ونساءهم للاستحمام في عين كبريت ،  وكانوا لايكتفون بالاستحمام ، بل يحرصون على ان يملأوا ما لديهم من اوانٍ بمياه عين كبريت ، ويأخذونها معهم عند العودة الى محافظاتهم .
ولم يقتصر الامر على العراقيين ، بل  كثيرا ما رأيت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي سواحا عرب من الخليج العربي وغيره وعددا من الاجانب ومنهم من الانكليز . واحتفظ بكثير من القصص التي تروى عن زوار وسواح ورحالة اجانب زاروا هذه العين عين كبريت وتحدثوا عنها .
ماهي عين كبريت ؟انها ببساطة عين كبريتية تقع على حافة او ضفة نهر دجلة في مدينة الموصل اليمنى عند منطقة باشطابية   وينزل الناس الى هذه العين من طريق قريب من المستشفى الجمهوري عبر  (99 ) درجة .وثمة من يقول ان هذه العين عين كبريت ظهرت سنة  ( 301  ) هجرية الموافق للسنة ( 914)  ميلادية .
عين كبريت  ، كتب عنها عدد من الكتاب ولكن بإقتضاب شديد ولعل من الذين كتبوا عنها  المؤرخ الموصلي الكبير ياسين العمري في كتابه (منية الادباء في تاريخ الموصل الحدباء ) الذي حققه ونشره الاستاذ سعيد الديوه جي سنة 1955،  والحاج عبد الجبار محمد الجرجيس في كتابه (دليل الموصل العام ) 1975 والفنان التشكيلي والنحات الاستاذ طلال صفاوي في مجلة (الموصل التراثية ) العدد السابع الصادر في اب سنة 2011 .
كما ورد ذكرها في كتب البلدانيين العرب ، والرحالة الاجانب.  وتقابل عين كبريت من الضفة اليسرى لنهر دجلة ، كورنيش الغابات وسميت هذه العين بعين كبريت لانها وبقدرة الله سبحانه وتعالى تنبع من تحت جدار سور الموصل الذي يرتفع قرابة (  25  ) مترا عن سطح نهر دجلة وهذه العين تنبع من منطقة مكونة من صخور كبريتية يتحلل الكبريت الهش فيها بالماء وتتدفق  عبر منفذين  اقيم على المنفذ الاول حوض قطره زهاء الربعة امتار وبعمق نصف متر يستحم فيه الرجال ، ومنفذ ثان  يبعد عن المنفذ الاول قرابة (70 ) مترا اقيم عليه مكان خاص لاستحمام النساء .
وللاسف المكانين بدائيين وقديمين وتقليديين ، وكم سمعنا وعدودا من الحكومات المتعاقبة لانشاء حمامات حديثة شبيهة بالحمامات التركية وجلب شركات لاستثمارها لكن شيئا من ذلك لم يتحقق وعبر ال ( 100  ) سنة الماضية .
تشير المصادر الجيولوجية الى ان الماء الموجود في الطبقات الجيرية ، وهو ماء المطر او ماء النهر نهر دجلة   يسخن  بفعل الحرارة الباطنية وعندئذ تزداد  طاقته على اذابة الفوسفور المختلط بالقير واذابة طبقات من الفوسفور والتي هي بقايا الحيوانات المائية القديمة ، وعندئذ يصبح  الماء كبريتيا وينساب من مستودعاته  الواسعة في الصخور الجيرية في النهر .
على كل حال الناس لاتهمها البنايات والمظهريات  بقدر ما يهمها الاستحمام بماه عين كبريت لمعالجة امراض الروماتزم والتهاب المفاصل والطفح الجلدي وامراض الحساسية الجلدية والاكزيما والصدفية والناس تدرك  ، ومن خلال التجربة ان مياه عين كبريت تشفي من كل تلك الامراض ، وثبت لهم ذلك بالتجربة حتى ان بعضهم بات يعتقد بتأثيرها في شفاء بعض الامراض الباطنية  إذ تكون مياهها ملينة ومعقمة للامعاء .
والناس  عندما يزورون هذه العين المباركة يجلسون ويدلكون  اجسادهم او المنطقة المصابة بالمرض الجلدي بالطين الاسود ويتعرضون لاشعة الشمس حتى يجف الطين ويتحول لونه الى لون فاتح وعندئذ يأتون الى حافة العين ويغسلون اجسادهم ثم يدخلون العين ويستحمون فيها .
وقد تأخذ العين كما يقول العامة بعض الناس فيصابون بالدوار وعندئذ يؤخذون الى حافة  النهر  وترشق وجههم برشقات قوية من الماء وعندئذ يعودون الى الوعي وهذه الحالة يطلق عليها الموصليون مصطلح (أخذتهم العين ) وطبعا يصابون بالدوار بفعل رائحة غاز الكبريت القوي .
يؤكد كثير من  الاطباء المختصون ان في عين كبريت فضلا عن الكبريت هناك معادن مذابة وهذه المعادن تساعد في معالجة الامراض الجلدية وقد قام بعضهم بإجراء فحص مختبري على مياه عين كبريت  ووجد  بعد الفحص انها تحتوي على كميات جيدة من المركبات الكبريتية بل ان فيها مركبات كبريتية افضل مما هو موجود في عيون كبريتية اخرى في العالم .
والاستحمام في عين كبريت يبدأ  منذ ساعات الفجر الاولى وحتى ساعات متأخرة من الليل وهي ايضا مكان للراحة والاستجمام وتزجية الوقت خاصة ، واننا ادركنا في الخمسينات وما بعدها وجود  (جرداغ )  و(مقهى ) يعود للحاج احمد الجايجي المعروف بأبي عبد  الذي توفي في اواسط السبعينات من القرن الماضي وكان عنده عدد من الجايجية منهم خالد ودواس .
وعادة ما تتم عملية تنظيف العين وتهيئتها للاستحمام منذ شهر اذار ، ويفتح الجرداغ والمقهى واتذكر ان المستحم بالعين يخرج مباشرة الى الجرداغ بعد ان ُيلف بالاغطية ، ويقدم له عمال المقهى الشاي والحامض والينسون .
ثمة مسألة لابد من الاشارة اليها وهي ان معدل هطول الامطار شتاءَ  له تأثير كبير على كمية المياة المتدفقة في الحين حتى انه في سنوات شحة سقوط الامطار نجد ان تدفق مياه العين يقل عن السنوات المطيرة .
لابد لنا ونحن نتحدث عن عين كبريت في الموصل ، ان ندعو الحكومة المركزية والحكومة المحلية الى الاهتمام بهذه العين المباركة ، والتخطيط لتحويل مكانها الى منتجع سياحي جميل يكون مصدرا لجذب المستحمين والسياح .كما ان من الممكن اقامة مصنع صغير  لتعبئة القناني بالمياه الكبريتية وعن طريق الاستثمار ، وطرح الانتاج في السوق لاستعماله كعلاج للامراض الجلدية وبشكل علمي  وصيدلاني خاص وبذلك نضيف الى موارد البلد موردا جديدا ومفيدا للدولة والمجتمع  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كريم منصور........... والصوت الذهبي الحزين

  كريم منصور........... والصوت الذهبي الحزين ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل  لا ابالغ اذا قلت انه من ال...