السبت، 3 يوليو 2010

رحيل الناقد والقاص الأستاذ سالم العزاوي




رحيل الناقد والقاص الأستاذ سالم العزاوي
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
فقدت الأوساط الإعلامية، والفنية، والثقافية العراقية أوائل حزيران 2010 وقبيل رحيل الشاعر محمد عفيفي مطر بأيام الكاتب والصحفي والقاص والناقد السينمائي المتميز الأستاذ سالم العزاوي الذي توفي عن عمر 66 عاما. وكان العزاوي يعاني في المدة الأخيرة من مرض عضال ألزمه الفراش. والعزاوي من مواليد مدينة الموصل سنة 1944 . . تخرج في قسم الفيزياء في كلية العلوم بجامعة الموصل في الستينيات من القرن الماضي إلا أن عشقه للفن والأدب جعله يترك تخصصه العلمي ليدخل عالم الإذاعة والتلفزيون. وبرز العزاوي في إعداد برامج عديدة منها:(عدسة الفن) مع المذيعة خيرية حبيب و(السينما والناس) و(ستوديو 2000) و( من ارشيف السينما) .فضلا عن عدد من البرامج الإذاعية التي كانت تهتم بالمشهد السينمائي في العراق والعالم. كما كتب في النقد السينمائي، وخاصة في جريدتي (الجمهورية) و(العراق) ومجلة فنون ، وجريدة (الفرات) ،و(السيادة) ،و(المحور)،و(الدستور) طوال أكثر من 40 عاما، وتفرغ العزاوي مؤخرا للكتابة في جريدة (الزمان) اللندنية وخاصة في مجال النقد السينمائي.

وللراحل مؤلفات عدة منها: (ريح المدن الزجاجية) صدر في الموصل عام 1970 وصدر له في العام نفسه كتاب (فرسان الشمس) و(أرشيف السينما العالمية) ، وآخر مؤلفاته التي هي تحت الطبع :(المرأة في السينما). نعاه صديقه الشاعر الكبير معد الجبوري في موقع ملتقى أبناء الموصل . كما نعاه صديقه الشاعر منذر عبد الحر قائلا : "
فجع الوسط الثقافي والإعلامي بأفول نجم جديد من نجومه العالية في سماء الإبداع والعطاء المتنوع الجاد , حيث وافت المنية القاص والناقد السينمائي والتلفزيوني والكاتب المتميّز سالم العزاوي , الذي فارق الحياة بعد صراع مرير مع المرض الذي أعاقه عن العمل وأجل الكثير من مشروعاته الكتابية التي شرع بإنجازها لكن القدر , لم يمهله . لقد كان الراحل مثالا رائعا في الجدية والالتزام والكتابة الحريصة الرصينة .
كما عاد وكتب عنه قائلا : "
ما كنت ُ أتوقّع يا أبا نور الغالي أن أكتب مرثيتك بهذه السرعة , فأنا قبل أيام تمنيّت ُ أن تعود بيننا بألقك ورقة ورهافة إحساسك , لتديم حيويتك في الكتابة المتنوعة ولتنجز مشاريعك التي حلمنا معا بأن تكون واقعا يهم القاريء والكاتب والتاريخ المكتظ بالأحداث والذكريات والشخصيات التي اكتنزت بها ذاكرتك .ماكنت ُ أتوقّع أن تطوي أوراق حياتك بصمت وهدوء وعزلة , أنت الذي تسأل عن أصدقائك ومعارفك ومحبيك واحدا واحدا وتتأثر حد اللوعة بآلامهم , إليك يا سالم العزاوي أيها المترع بالمحبة , المليء بالحياة الانسانية والطموحات , أرفع دعواتي في أن يجعلك الله تعالى في فسيح جناته , واتمنى لأهلك وذويك الصبر والسلوان , وتأكد أنك باق ٍ في ضمائرنا وفي وجداننا لأنك صاحب كلمة رصينة وموقف نبيل وخلق عال ٍ من الصعب أن يتكرر في إنسان غيرك .مازالت كلماتك الأنيقة التي تسطرها بعناية خالدة بيننا , بل مازالت روحك الطاهرة النقية معنا , ولكن هذا هو قدر الحياة وقانونها القاسي , الذي يضمر لنا الوحشة في كل مرحلة وفي محطة من محطات حياتنا , دام ذكرك خالدا .
أما الأستاذ محمد الربيعي فقال مؤبنا الأستاذ سالم العزاوي : " ان الأستاذ العزاوي
مِنِ الشخصيات الإعلامية والأدبية الرائدة والمتميزة بعطائها الثر ،والتي لها حضور دائم في ذاكرتنا مهما غابت عن الساحة الإعلامية وأضوائها بفضل تاريخها الإعلامي والأدبي المشرق الذي بقى يشع ويلمع كلمعان الذهب النقي الصافي ،فالصحفي والقاص والناقد السينمائي المعروف سالم العزاوي، هو واحد من هذه الشخصيات اللامعة التي تملك ثقافة إعلامية وصحفية وأدبية قل نظيرها ،فانه موسوعة فنية عظيمة من الإخبار الفنية التي تعنى بالفن والفنانين من العراقيين والعرب والأجانب وصحفي متميز صاحب ذوق فني رفيع في عالم صحافة الفنون والثقافة والتراث.فالناس عندما يسمعون اسم (سالم العزاوي) فانهم يتذكرون البرامج التلفزيون الناجحة المعروفة بـ(عدسة الفن وبرنامج ارشيف السينما) التي كانت تعرض اسبوعياً من شاشة قناة التلفزيون العراقية في نهاية السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي حيث كان العزاوي يقوم بإعدادها وتقديمها والناس يترقبونها بشوق ولهفة ليعرفوا من خلالها اخبار الفن والفنانين وأخبار الأفلام العراقية والعربية والأجنبية الجديدة منها والقديمة.وللمكانة المرموقة التي يحظى بها مبدعنا سالم العزاوي في الأوساط الإعلامية والسينمائية والثقافية والأدبية العراقية والعربية فحري بنا ان نتذكر هذه الشخصية المبدعة التي أفنت زهرة شبابها في خدمة الفن والصحافة .
والجدير بالذكر أن الأستاذ الدكتور عمر الطالب كتب عن سالم العزاوي في موسوعته موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين يقول :ولد سالم محمد علي العزاوي في مدينة الموصل سنة 1944 ،وترعرع فيها ودخل مدرسة غازي (النضال) الابتدائية ومتوسطة أم الربيعين والإعدادية المركزية وبعد إنهاء دراسته الأولية دخل قسم الفيزياء بكلية العلوم في جامعة الموصل .وكان مقبلاً على القراءة بنهم .أصدر سالم العزاوي كل قصصه في فترة عقد واحد (دماء على عنق المساء) 1969، (رياح المدن الزجاجية) 1971. (الامطار) 1978 (فرسان الشمس)1980 قصص للأطفال .ضمت مجموعة سالم العزاوي الأولى: (دماء على عنق المساء) عشر قصص تدل عنواناتها على اسلوبها التعبيري وبنائها القصصي (شارع الضياع، المحتضر، أولاد قريتنا، صخب الجنون، بيادر الامل، الطفل الذي أحياه المسيح وأنقذ المدينة، في دوامة اليأس، ثورة الطائر الأسير/ فارس الفراغ المثقوب، أنين الوجوه الصامدة، دماء على عنق الماء) .وتطغى على هذه القصص الجزيئات الاداتية على البناء مع اهتمام بالعبارات الملونة يرصع بها قصصه، ويركز اهتمامه على حديث عابر مع شخص التقى به في شارع أو حافلة مع ولع بالسير في شوارع الموصل وذكر أسمائها ووصفها وصفاً دقيقاً. كما انه يمعن بتبديل الاقنعة فأنت تارة امام (نوح أو عمر الخيام أو عشتار أو كليوباترا أو لويس السادس عشر أو أشور بانيبال أو نبوخذنصر) أو يضع أقنعة حديثة مثل (جون وين، كاترين دينوف، اليزابيث تايلور، سعاد حسني) أو يدخلك في عوالم ضبابية كابوسية الأجواء مليئة بالغيلان والأشباح. إن عالمه يحيطه الخوف والشك والريبة، عالم تطفو فيه العناكب والصراصير والذباب والأوساخ في أكثر الأماكن نظافة، فهو ينظر إلى العالم من وراء نظارة سوداء، ويدرك المتلقي انه يسير به دون هدف، فالحب لديه لعبة، والدراسة مواعيد غرام، والدار عيون زجاجية مثبتة على شاشة التلفاز والشارع حافلة لايجد فيها مكاناً، والسينما خداع كاذب، والأغاني نشيج خائف ولم يبق غير السرير والتحديق في السقف الذي يثير الفزع بعناكبه المحدقة ببيوتها ذبابية الشكل، وبرز صوت الكاتب على كل الأصوات فهو الراوي أو الشخصية الرئيسية. وفي مجموعته الثانية:(رياح المدن الزجاجية) قصص جيدة مثل قصته (أنياب جوف يصخب).ولم يوفق بدمج الحاضر بالتاريخ في قصتي (ثمة أشياء تضمحل،وترانيم من ينسابور) ،حيث بان الانفصال واضحاً. الطاغية أقوى من التاريخ فهو لايحس بالعالم من حوله وإنما يتصور انه قطب العالم ومحوره فالكل يسعى إلى درجة المطاردة حتى المرأة، انه عمر بن ابي ربيعة جديد، إلا انه لم يستمتع بالساعين اليه كما استمتع عمر. "أحس بيد تقبض على ذراعه وصوت انثوي يناديه، قالت والابتسامة تفرد على شفتيها انتظرك في موقف الباص، سألته وعيناها تتشبثان به: أما زالت يدك تؤلمك) إلى آخر ذلك من أمثال هذه العبارات التي تزخر بها قصصه في مجموعاته الثلاث.وقد يمتزج الواقع بالحلم في وحدة عضوية كما في قصة :(ظلال قاتمة لأشياء ترتعش) التي بناها في مستويات ثلاثة، انه خائر لعدم قدرته على مفاتحة فتاة جامعية بحبه، يقع نظره على العنكبوت ينسج بيته في سقف الغرفة، إحساس بالمرارة والفشل أمام دأب العنكبوت يرميه بنعله يسقط النعل بعيداً والعنكبوت الدائب في عمله يسخر من عجزه، وفي المستوى الثاني دفتر مذكرات البطل،ولقاء في الكلية، ومحطة الحافلة والنادي، وتطلع في عينيها المتسعتين اللتين تنشقان عن كتلتين صغيرتين تندفعان خارجاً فإذا هما فتى وفتاة، لماذا هذا الحلم الخائب والصورة المثيرة للقرف. لااحد يدري، فلم يوظف الرمز في شيء ولم يخدم الحدث وإنما عرقله وأساء إلى نموه، انه ولع سالم العزاوي بالسينما .وتمكن في المستوى الثالث أن يمزج بين الواقع والحلم في نسيج فني معبر، فيقذف العنكبوت ثانية ويسقطه مسحوقاً شائها وقد تمزج نسيجه وانطلق هو منه مثل ذبابة تجد خلاصها من تمزق بيت العنكبوت.
لقد سعت قصص سالم العزاوي إلى فانتازيا الشكل غير أنها لم تنجح في اغناء المضمون، ووراء ذلك القراءة السريعة ،والمشاهدات السينمائية والركض وراء التجارب الجديدة وعدم القدرة على الاستفادة من الرمز والتاريخ . وفي مجموعته الثالثة (الامطار ) ابتعد عن الافتعال والتقليد وحاول ان يجعل لغته جزءاً من البنية القصصية فهو حسن الاسلوب جيد السرد: ويعقد العزاوي حوارات جيدة بين شخصياته ويتمكن من إنهاء قصصه نهاية جيدة .
عرفت الأستاذ سالم العزاوي منذ خمسين سنة وجلست معه وبعض الأصدقاء كثيرا. وكان رحمه الله إنسانا ودودا محبا للآخرين، هادئا،جادا،مثقفا ثقافة راقية وقد ظل بالرغم من انتقاله إلى بغداد على صلة بمدينته الموصل محبا لها متواصلا مع أصدقاءه فيها مترددا على الأماكن التي كانت تحتل حيزا مهما في ذاكرته .رحمك الله ياسالم العزاوي وجزاك خيرا على ماقدمت وإنا لله وإنا إليه راجعون .
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور ابراهيم العلاف ورابطها :


wwwallafblogspotcom.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...