الجمعة، 8 يناير 2010

الدكتور خضر جاسم الدوري 1938 -1995 والتأريخ الاقتصادي والاجتماعي في العراق



الدكتور خضر جاسم الدوري 1938 ـ 1995والتأريخ الاقتصادي والاجتماعي في العراق
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموصل



التقيت المؤرخ الأستاذ الدكتور خضر جاسم محمد الدوري رحمه الله ، منذ أن التحقت بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الموصل ، أواسط السبعينات من القرن الماضي ، وتوثقت علاقتي به بعد أن عملت بعده رئيسا لقسم التاريخ بكلية التربية ، جامعة الموصل ، وكان قد عين عميدا للكلية ، واشتغلت معه سنوات طويلة وعندما ذهب إلى بغداد ، ليعمل مديرا عاما لجهاز التفتيش ، كنت أزوره باستمرار وقد وجدته ، بحق ، أستاذا فاضلا ومؤرخا متميزا ، وإنسانا نبيلا .. لا يخاف في الحق لومة لائم . كان بعيدا عن النعرات العشائرية والمذهبية وقد ظل حتى وفاته يعد العراق كله عشيرته وأهله وظل يرفض الإفصاح عن انتماءه القبلي أو المذهبي .. كان ذو تفكير علمي تقدمي ، وقد أحب الموصل وتزوج امرأة موصلية وحينما رقي إلى مرتبة الأستاذية سنة 1991 أرسلت له رسالة تهنئة باعتباري رئيسا لقسم التاريخ الذي كان ينتسب إليه حتى نقله إلى بغداد وفي الوقت نفسه كنت رئيسا لجمعية المؤرخين والاثاريين فرع نينوى وقد أجاب على التهنئة برسالة رقيقة يسعدني إيراد نصها لأهمية محتواها وقيمتها العلمية والإنسانية التي تدل على الوفاء والتواضع .
الأخ الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف المحترم
رئيس جمعية المؤرخين والاثاريين / نينوى
تحية مباركة :
جزيل الشكر على رسالة التهنئة الرقيقة ، وكل الحب لمن أمضيت معهم حلو الأيام .. لمن عمقت بفضلهم تجربتي في البحث والتأصيل والإدارة .. رفاق القلم .. يحدثنا التاريخ بان(( من أمضى في الموصل حولا وتفقد عقله وجد فيه فضلا )) فكم هو فضل الموصل على من أمضى فيها أكثر من عشرين عاما .. وما يزال .. لكم جميعا دوام التقدم والتميز مع موفور المحبة .. وتفضلوا بقبول الود والاحترام .
ولد الأستاذ الدكتور خضر جاسم محمد الدوري في محلة الدوريين بمدينة بغداد العاصمة سنة 1938 وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها . ثم دخل قسم التاريخ بكلية الآداب / جامعة بغداد وحصل على شهادة البكالوريوس . وفي سنة 1968 نال شهادة الماجستير من جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية وكان عنوان رسالته : ((الوضع السياسي والإداري للعراق في العصر السلجوقي )) .
وبعد سنتين استمر في الدراسة وحصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة ذاتها وذلك عن أطروحته الموسومة : ((الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعراق في العصر السلجوقي ))
وقد عاد الى الوطن والتحق بكلية الآداب ـ جامعة الموصل وشغل منصب رئيس قسم التاريخ فيها بين 29 تشرين الأول 1972 و7 آذار 1973 . وبقي في هذا المنصب حتى افتتاح كلية التربية سنة 1976 فعين رئيسا لقسم العلوم الاجتماعية فيها ..(26 ايلول1978 وحتى 17 تشرين الثاني 1980) وصار مساعدا لرئيس الجامعة وبعدها عميدا لكلية الاداب (26 كانون الاول 1981 حتى 4 تشرين الثاني 1982) ومن ثم عميدا لكلية التربية / جامعة الموصل (6 تشرين الثاني 1982 حتى 16 مايس 1989) وفي سنة 1989 تسنم منصب رئيس جهاز التفتيش في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وظل مستمرا فيه حتى وفاته سنة 1995 .
أسهم في كتابة موسوعات عديدة منها موسوعة العراق في التاريخ ، حيث كتب فصلا بعنوان ((التسلط الأجنبي في العراق إبان عصور الخلافة العباسية)) ، وصدرت الموسوعة سنة 1983 ..كما كتب فصلا في موسوعة (الصراع العراقي ـ الفارسي) الذي صدر سنة 1983 كذلك بعنوان (الأبعاد الثقافية والاقتصادية للصراع العراقي ـ الفارسي)) . وقد اشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه ، وكان عضوا في جمعيات مهنية وعلمية منها جمعية المؤرخين والاثاريين ، واتحاد المؤرخين العرب ونقابة المعلمين ..كما تسلم مسؤولية رئاسة تحرير مجلة التربية والعلم التي كانت تصدرها كلية التربية بجامعة الموصل وذلك بعد عودتها إلى الصدور ثانية سنة 1988 وقد كنت حينها سكرتيرا ( أمينا عاما) للتحرير . وقد صدر العدد الأول من هذه المجلة ، وكان الدوري عضوا في هيئة التحرير في شباط 1979 ولكنها توقفت بعد سنتين من اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية سنة 1980 وقمنا ، أنا والدكتور الدوري بالسعي لإعادة إصدارها سنة 1988 بالرغم من الظروف الصعبة التي كنا نمر فيها آنذاك .
للمرحوم الدوري بحوث عديدة منشورة منها :
1 . ((نظرة في حياة الطبقة الفلاحية في العراق الوسيط)) . وقد نشر في العدد (2) من مجلة آداب الرافدين / كلية الآداب / جامعة الموصل 1971
2 . ((ابن الجوزي : دراسة في التراجم )) ، ونشر في مجلة آداب الرافدين كذلك ، العدد (4) 1972
3 . نظرات حول ملاحظات الدكتور جورج مقدسي عن الحلة وبني مزيد )) ، ونشر في مجلة آداب الرافدين ، العدد 151 ، 1974
4 . ((بغداد منذ تأسيسها وحتى الغزو المغولي : دراسة في التغييرات السلطانية )) ونشر في مجلة التربية والعلم التي تصدرها كلية التربية ـ جامعة الموصل ، العدد (1) 1979
5 . ((النشاط السياسي والاجتماعي للأطباء في العراق خلال العصر العباسي 132 ـ 656هـ/749/1258 )) بالاشتراك مع الدكتور مؤيد عيدان كاطع ، ونشر في مجلة التربية والعلم ، العدد (5) ،1987
6 . ((منهج البحث التاريخي عند الثعالبي)) بالاشتراك مع السيد ثامر حامد صوفي خضر ونشر في مجلة آداب الرافدين ، 1987
7 . ((تجارب الأمم : دراسة لمنهج مسكويه في تدوين التاريخ )) بالاشتراك مع الدكتور عبد الستار حمدون احمد ونشر في مجلة التربية والعلم ، العدد (1) ، شباط 1979
8 . ((بيت الحكمة في بغداد وأثره في الحياة العلمية والثقافية العربية )) مع الدكتور غانم عبد الله خلف ، ونشر في العدد (7) ، آذار 1989 من مجلة التربية والعلم .
كتب عنه الدكتور علي نشمي حميدي مقالا مقتضبا في مجلة المؤرخ العربي التي يصدرها اتحاد المؤرخين العرب ، العدد 56 ، 1998 فقال عنه ((كان المرحوم الدوري دمث الأخلاق ، طيب المعشر ، جديا في عمله ، حريصا على أداء واجباته كما يجب ، أحبه كل من تعرف عليه ، وبفقدانه اثر حادث مؤسف( محاولة سرقة سيارته ثم قتله أمام داره ببغداد ) فقدنا رجلا كبيرا وعزيزا ترك فراغا كبيرا في حقل اختصاصه وعمله .. رحم الله الدكتور خضر الدوري ، فقد عاش هاديء الطباع ، طيب القلب ، عزيز الجانب ..) وأود هنا التأكيد على كل ما قاله الدكتور حميدي ، فلقد عملت معه سنوات ووجدته كذلك .. كان حريصا على أداء عمله وكثيرا ما كان يبقى في الكلية إلى ساعة متأخرة من الليل وهو يعمل ويقرأ ويكتب ومع ان العمل الإداري قد اثر عليه ، وكان يعترف بذلك ، حيث إن إنتاجه العلمي لم يكن بالكثرة المتوقعة ، إلا أن ما كتبه ونشره يعد ذات قيمة علمية واكاديمية رصينة .. ومما كان يؤكد عليه ضرورة اعداد طلبة الدراسات العليا الذين يشرف عليهم إعدادا أكاديميا وعلميا صحيحا .. فكان يجلس معهم ساعات وساعات وهو يناقش ما كتبوه دون أن يكل ويمل ..
وبشأن مدرسته التاريخية أو رؤيته التاريخية ، فقد كان ، يركز على العوامل الاقتصادية ويرى أنها ذات تأثير مهم في سير حركة التاريخ .. ومن هنا جاء اهتمامه بأوضاع العراق الاقتصادية .. كما ركز في مرحلة من مراحل حياته العلمية ، سواء من خلال بحوثه أو من خلال الموضوعات التي يختارها لطلابه ، على الجوانب الاجتماعية والقيم الأخلاقية ومن ذلك كتب في النشاطات الاجتماعية والسياسية للأطباء والمنهج الأخلاقي لابن مسكويه .. ومما اهتم به كذلك تأصيل المنهجية التاريخية العربية وذلك بالعودة الى أعمال بعض المؤرخين من أمثال ابن الجوزي والثعالبي .. كما ركز على دراسة التغييرات السكانية في المدن الإسلامية وكان يرى أنها تشكل خطوة مهمة من اجل تقييم علمي موضوعي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبشكل خاص لفهم الدور الذي يقوم به المواطنون منتجين ومستهلكين .
وقد اهتم بالمؤسسات العلمية وبصورة خاصة الدور الذي قام به بيت الحكمة ببغداد في الحياة العلمية والثقافية العربية وأكد سعي العرب والمسلمين لنشر المعارف والعلوم في كل بقعة وطأتها أقدامهم .. كما سعوا في الوقت نفسه إلى تحصيل ما عند تلك الشعوب والأمم من علوم تنسجم مع مباديء الدين الجديد .
ولا أستطيع وأنا انهي هذا المقال عن الدكتور الدوري تجاوز حقيقة مهمة عنه وهو انه على الرغم من تعدد المناصب العلمية والإدارية التي تسنمها فقد كان عفيفا نظيف الكف ..قانعا .. لم يسع إلى المال والجاه وكان حريصا على البقاء بعيدا عن وسائل الإعلام .. وعندما يثق بأحد فانه يعطيه كل ثقته ويتعاون معه دون قيد أو شرط .. وقد وجدته في عمله الإداري شجاعا جريئا يتحمل المسؤولية لكنه لا يتساهل مع الكسالى والخائبين فكان يحثهم على العمل ويدعوهم صراحة إلى الإخلاص والجدية .. وتلك صفات أصبحت ،للاسف ، نادرة في زمننا .. ومن هنا فالدوري عندما يذكر ، فان الجميع، حتى وان كانوا يختلفون معه في الرؤية، يقرون بجديته، وإخلاصه، وصدقه، وأمانته وشجاعته وتلك هي صفات المؤرخ الحق.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم أستاذ
    كنت من طلاب الأستاذ الدكتور خضر الدوري الله يرحمه ماجستير ودكتوراه ، حاليا بجامعة ديالى ، كنا نشرنا بحث مشترك بعنوان " الانفاق العسكري في العصر العباسي الأخير" وهو مستل من رسالة الماجستير التي أشرف عليها رحمه الله لجامعة الموصل .لا اعرف اين نشر هذا البحث ، في أي من مجلات جامعة الموصل ولا سنة النشر ، لكوني سافرت خارج العراق بعد وفاته بسنتين ... الان حصلت على ثلاثة بحوث له وكنت افكر ان أحلل منهجه في فلسفة التاريخ...مقالاتك جدا مفيدة في المدرسة التاريخية العراقية ...أطال الله في عمرك ونفع الناس بعلمك .

    ردحذف

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...